التّقاطع بين الفكر المدوّن والفعل التّشكيلي من خلال تجربة الفنّان نجا المهداوي
Interférences entre l’écrit et la praxis dans l’œuvre de l’artiste plasticien Nja Mahdaoui
Published on Tuesday, February 20, 2024
Abstract
ٍجاء هذا اليوم الدّراسي من أجل فكّ اللّثام عن تجربة منفتحة على القرّاء بشتّى مشاربهم، بل ولتصحيح أفكار ظللنا لعقود نتوارثها باعتبارها مسلّمات، وأملنا أن نزحزح هذه "الثوابث" لأنّها أثبتت محدوديّتها وعجزها عن الإلمام بتجربة الفنّان - ربّما لأنّنا لم نتعلّم أن نرى بأعيننا واكتفينا بالنّظر الى الأمور من منظور تجاوزته الأحداث أحيانا، أو لأنّ الفنّان لم يقدّم المفكّرَ الذي يسكنه للمتلقّين بالكيفية الكفيلة بقراءته فكرا وممارسة، وهو ما تفطّن إليه الفنّانُ منذ وقت ليس بطويل فأخرج نصوصَه إلى النّور في أكثر من موقع، منها ما سيستثير شعف الفضوليّين من الباحثين الّذين لا يكتفون بالقوالب الجاهزة ولا يُرضي طموحَهم سوى العَوْد إلى المنابع. هؤلاء بالذّات، يتوجّه إليهم هذا اليوم الدراسي ليبحث في إشكاليّة تُسلّط الضّوءَ على علاقة الممارسة بالتّدوين لدى الفنّان "نجا المهداوي" من خلال عدد من المسائل المنوطة بهذه الاشكاليات
Announcement
"إنّ العلاقة بين الأدب والرّسم كانت دائمًا مجالًا للبحث وهو ما تمّ شرحه على نطاق واسع من قبل النقّاد والباحثين. هذا أمر لا جدال فيه "[1]
لا تنفصل الفنون بشتّى أجناسها عن الفكر المدوّن، فتاريخ الفنّ لم تدوّنه الصورة والمنحوتات وسائر المنجزات الفنيّة التي انتقلت من وجود بالقوّة إلى وجود بالفعل فحسب، بل رسمته كتابات المؤرّخين والنقّاد وجعلت من هذه الصور منطلقَ جديدِ المباحثِ ومرسى صور الصّور. أمّا على الصّعيد الميكروسكوبي، الأكثر دقّة، فعلاقات التّعالق بين الصورة والتّدوين تبدو أكثر تشعّبا وتشاكلا: إذ رافقت المنمنماتُ المخطوطاتِ البيزنطيّة والفارسيّة والعثمانيّة والهنديّة وغيرها، كما رافقت النصوصُ أعمال الفنّانين، ليس من قبل الكتّاب والنقّاد فحسب، لا سيّما أن عديد الفنّانين كتبوا عن أعمالهم فبرّروها أو بحثوا عن مقاربة أكثر تواصلا مع المتلقّي إذا استحال الاتّصال فنّا أو صعُبَ، ولعلّنا نستذكر في هذا الإطار كتابات "بول كلي" و"وسيلي كاندانسي" وغيرهما. أمّا بعض الفنّانين فقد تنافذ عندهم الإبداع وانفتح المكتوب على الفنون المرئيّة ولعلنّا لن نضيف الشّيء الكثير إذا ما أشرنا إلى أعمال فنّاني الحركة المفاهيميّة على غرار عمل "واحد وثلاثة كراسٍ" أين أدرج الفنّان "كوسوث" تعريفا للكرسي ضمن تنصيبته المتكوّنة من كرسي وصورة للكرسي وتعريفا للكرسي مقتبَسا من المعاجم. وفي سياق مغاير عمد "ماغريت" في سلسة أعماله "خيانة الصّورة" إلى المزج بين المرئيّ والمقروء عبر ارفاق صورة الغليون وعبارة" ليس هذا غليونا" مميّزا بين فعل التّمثيل والتقديم.
وعلى الرّغم من أنّ "جاك ديريدا" تحدّث عن المبدع الذي ينتج في روح الكاتب "رسّام يأتي بعد الكاتب ويرسم في الروح صورا تقابل الكلمات... وهذا التكامل ثابت كما نعلم بين الرسم (الزوغرافيا) والكتابة عند أفلاطون ومن بعده"[2] وفي هذه النّظريّة تمايز للفكر المدوّن على الفكر الممارساتيّ، باعتبار أنّه يسبقه ويوجّهه، وعلى الرغم أنّ بعض الروائع أكثر بلاغة من اللّغات جلّها أحيانا- إذ لا كلام يكشف عجائب موناليزا "ليوناردو دافنتشي"، ولا تقارع كتابات النقّاد حول لوحة "الحريّة تقود الشعب " جماليّة التّكوين والتعبير التصويري التّي أتى بها "دولاكروا"، والأمثلة في هذا الخضمّ كثيرة...، فإنّ التّمييز التفاضليّ بين الفنّان والكاتب صار -منذ بدايات القرن العشرين- محض ماضٍ لا يقبل الاستعادة ولا الإحياء، حيث لم يعد الفنّان معنيّا بالممارسة الفنّية فحسب، بل وبالتنظير أيضا، سيّما وأنّ الفنّ تخطّى التعبير عن مشاغل الحياة ونقلها بطرق مختلفة، وصار تفكيرُ الفنّ منوطا بالفنّ وهو المنطلق والمنتهى.
وسواء رافق المقروء الفعل الفنّي أو سبقه أو لحقه فإنّ كتابات الفنّان عن تجربته والتنظير لممارسته وتصوير أفكارها أو نحتها أو ترجمتها خزفا أو حفرا أو من خلال الأجناس الفنيّة المعاصرة على غرار فنّ "البارفومونس" أو "الهابينيغ" أو الفيديو أو تطبيقات الذكاء الاصطناعي وما جلب معه من معالجات مذهلة حينا وغرائبيّة أحيانا، تبقى الكتابات الأكثر مقاربة للتجربة الفنّية والأشدّ أهمّية باعتبار ما تكتنزه من اتّصال بالمنجز الفنّي وبفكر الفنّان وخلفياته، وهي حتّى إنْ تناقضت مع الممارسة أو انحرفت عنها فهي وفيّة للفكرة التي يمكن أن يكوّنها النّاقد أو المحلّل الأكاديمي حول علاقة الممارسة بالتنظير والمسافة التي قد تفصل بينهما. وفي كتابه "بين المرئي والمقروء[3]" تحدث الفنّان المنظر "سمير التريكي" عن "قنوات التواصل بين المادّة الأدبية والمادّة التشكيلية وما يتخلّل كلّ مادّة على حدة من اشكاليات داخلية خاصة بطبيعتها"، [4] ودراسة هذه القنوات وحدها الكفيلة بالكشف عن "التعالقات الممكنة بين هذا وذاك"[5] وهي القادرة على الانفتاح على مدى التزام الفنّان بمطابقة فكريْه المدّون والتشكيلّي.
وفي هذا الخضمّ بالذات، يتنزّل هذا اليوم الدراسيّ، فيسلّط الضوء على تجربة الفنّان الأكثر شهرة والأوفر أعمالا وأكثرها تنوّعا وانفتاحا على الذّاتي والتّراثي والآخر بكل ما تحمله هذه الأمتانُ من تناقضات وانفراقات وتقاطعات.
تُعدّ تجربة الفنّان نجا المهداوي من أكثر التّجارب الفنيّة العربيّة والافريقيّة أهميّة وشهرة واعترافا من قبل دول "المركز" الغربي ودول الشرق أيضا، غير أنّ هذه التجربة على قيمتها الثريّة كيْفا وكما ماتزال -حسب اعتقادنا- تراوح السّطحية من حيث فهم المتلقين لها، رغم أنّ الرجل أنتج فكرا مقروءا ذا أهمّية لا يمكن أن يبقى تجاهله متواصلا، ونحن نشهد على مراكمات تجاربه ومواكبتها للتقنيّات الحديثة جلّها لكي يمرّر الفنّانُ فكره ويوصله، فهذا موقع ضمّنه كتاباته وتصريحاته للصحافة وتلك فيديوهات فسّر فيها خياراته واختياراته...
وإنّ أشدّ ما يلفت اهتمامنا في تجربة الفنّان نجا المهداوي هو بقاؤها لسنوات تُتَنَاول باعتبارها تجربة حروفيّة، فهي كلّما ذُكرت، صُنّفت - بزعم أنّها تقوم على الكتابة والخط، كتجربة حروفية تستجيب لضوابط التيّار الحروفي العربي الذي تأسّس على يد ثلّة من الفنّانين في أواخر القرن العشرين. وعن اختزال تجربته في معالجات حروفيّة يقول الفنّان نجا المهداوي "عرّفني "ميشيل تابيي" على عالم الفن اللاّشكلي (l’art informel) انطلاقا من العلامة ولقد اجتهدتّ على امتداد مسيرتي في رفع اللّبس عن تجربتي وهي تجربة تجريديّة لا تمتّ إلى الحروفية بصلة، إذ شدّت انتباهي، في بداياتي، تجارب الفنّانين الأسيويّين والإيرانيّين ولم يكن لديّ علم بالحروفيّة في العالم العربيّ...وما تزال تجربتي تُقرَأ بطريقة تحيد عن جوهرها".[6]
ولئن جاءت هذه التّصنيفات حتّى من قبل الأكاديميين الّذين حصروا هذه التجربة في قراءة شكلانية سطحيّة، فإنها أثبتت متانتها وقيامها على فكر يشهدُ صمودُها ونجاحها أوّلا، والكم الغزير من الكتابات الغربية والعربية عنها وحولها ثانيا، على جدّها وعمقها. وأمّا المصدر الأهمّ بالنسبة إلى الباحث في مجالات الفنون البصريّة ونظريّاتها والخطاب المنوط بها، هو كتابات الرّجل الإنشائية وتصريحاته الشفويّة، ومن ثمّة انفتاحه على الأسئلة والاستفسارات كلّها. أليس عاشقا للحوار وموظّفا العلامات الخطيّة لتخليصها من خصيصتها الأكثر انغلاقا وهي التزامها بأصوات وبثقافات معيّنة، عطفا على أنّ نظمها في كلمات حمّال لمعان وأنساق محدّدة؟ من هنا، جرّد الفنّان الحرف من محتواه المحدود من حيث الانفتاح على الآخر المختلف ثقافيا، لينفذ إليه، عساه يحاوره وتتفاعل معه وتنفعل فتكتمل التركيبة الفنيّة في ذهنه ككلّ عمل فنيّ تشكيليّ يخاطب الرّوح والعقل ولا يكتفي بالتّمثيل المباشر لفكرة أو موضوع ما.
من هنا، جاء هذا اليوم الدّراسي من أجل فكّ اللّثام عن تجربة منفتحة على القرّاء بشتّى مشاربهم، بل ولتصحيح أفكار ظللنا لعقود نتوارثها باعتبارها مسلّمات، وأملنا أن نزحزح هذه "الثوابث" لأنّها أثبتت محدوديّتها وعجزها عن الإلمام بتجربة الفنّان - ربّما لأنّنا لم نتعلّم أن نرى بأعيننا واكتفينا بالنّظر الى الأمور من منظور تجاوزته الأحداث أحيانا، أو لأنّ الفنّان لم يقدّم المفكّرَ الذي يسكنه للمتلقّين بالكيفية الكفيلة بقراءته فكرا وممارسة، وهو ما تفطّن إليه الفنّانُ منذ وقت ليس بطويل فأخرج نصوصَه إلى النّور في أكثر من موقع، منها ما سيستثير شعف الفضوليّين من الباحثين الّذين لا يكتفون بالقوالب الجاهزة ولا يُرضي طموحَهم سوى العَوْد إلى المنابع. هؤلاء بالذّات، يتوجّه إليهم هذا اليوم الدراسي ليبحث في إشكاليّة تُسلّط الضّوءَ على علاقة الممارسة بالتّدوين لدى الفنّان "نجا المهداوي" من خلال عدد من المسائل المنوطة بهذه الاشكاليات ومنها:
- المتن التراثي بالنسبة إلى الفنّان "نجا المهداوي" بين مشروعية التشكيل والتّحاور الثّقافي.
- تطوّر الخطابين المدوّن والتشكيلي في تجربة الفنّان "نجا المهداوي".
- التّجارب الراهنة للفنّان "نجا المهداوي" بين التجارب العربّية والغربية: مدى مجاراتها للتطوّر التقني والمفاهيمي.
- أمام تعدّد تجارب الفنّان واختلافها (تصوير، نسيج، جداريات، برفورمنس... ) تنوّع المحامل، ما مدى توفّق الفنّان في صياغة مفاهيم إجرائيّة تتجاوز التّجربة الذاتيّة لتستحيل إلى مدرسة ينهل منها الفنّانون؟
اللجنة العلمية
- أ. د. كمال اسكندر
- أ. د. العربي الضيفاوي
- أ.م .محمد الجربي
- أ. د. سمير تريكي
- أ.م. منذر المطيبع
- أ. د. معتز عناد غزوان
- أ. د. منيرة بن مصطفى
- أ.م .الحبيب زوينخ
لجنة التنظيم
- د. إيمان طهاري
- د. كوثر دمّق
- د. بسمة هنانة
- د. نهال لحياني
- د. زينات بوحاجب
- د. آمنة معزون
- صباح مولاهي
- شبلة فندولي
- إسلام بن ضوء
- فاطمة رقيّق
- آمنة المدنيني
التنسيــق
مساعد زينات بوحاجب
مواعيد مهمة
- يوم 11 فيفري 2024 نشر الدعوة للمشاركة.
- يوم 6 مارس 2024 آخر أجل لإرسال المقترحات (في حدود 500 كلمة مع تحديد محور البحث المعتمد) إلى عنوان البريد الالكتروني : croisementecritsetpraxis@gmail.com
- يوم26 مارس2024 ردّ اللّجنة العلميّة على المقترحات.
- يوم26 و27 أفريل اليومان الدراسيّان.
حواشي
[1] "D’aucuns diront que la relation littérature-peinture a toujours été un champs d’investigation largement exploité par les critiques et les chercheurs cela est incontestable.», Kamel Skander, Quand écrire, c’est peindre, Ed, Med Ali, 2021, p. 19.
[2]Un peintre qui vient après l’écrivain et dessine dans l’âme des images correspondant aux paroles … cette complicité est constante, comme on sait, entre peinture (Zoographia) et écriture chez Platon et après lui » Derrida (J.), La double séance, In tel quel n°42-43 été 1970 et automne 1970
[3] سمير التريكي، بين المقروء والمرئي، دار سيمباكت، تونس، ماي 2022
[4] سمير التريكي، بين المقروء والمرئي، المصدر مذكور، ص. 12.
[5] نفس المصدر.
[6]من حوار اجريناه مع الفنان نجا المهداوي في نوفمبر 2023
Subjects
- Ethnology, anthropology (Main category)
Places
- faculté des lettres et des sciences humaines - Route de l’aéroport
Sfax, Tunisia (3003)
Event attendance modalities
Full on-site event
Date(s)
- Wednesday, March 06, 2024
Keywords
- art, praxis, écrit, interférence, croisement
Contact(s)
- Zinet Bouhajeb
courriel : zinetb [at] hotmail [dot] fr
Reference Urls
Information source
- Zinet Bouhajeb
courriel : zinetb [at] hotmail [dot] fr
License
This announcement is licensed under the terms of Creative Commons CC0 1.0 Universal.
To cite this announcement
« Interférences entre l’écrit et la praxis dans l’œuvre de l’artiste plasticien Nja Mahdaoui », Call for papers, Calenda, Published on Tuesday, February 20, 2024, https://doi.org/10.58079/vvb4